نمو القطاع الصحي السعودي- الموازنة بين الكفاءة والتنافسية
المؤلف: فيصل زقزوق10.22.2025

مما لا ريب فيه أن التنامي المتسارع الذي يشهده القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية، يعد ثمرة مباركة من ثمار رؤية المملكة الطموحة 2030، ويعكس في الوقت ذاته تطوراً لافتاً في مجالات المعرفة المختلفة التي تغذي سوق العمل السعودي. هذا التطور لا يقتصر بأي حال من الأحوال على المعرفة الطبية المتخصصة فحسب، بل يمتد ليشمل إسهامات قيمة من قطاعات الأعمال المتنوعة، والتي كان لها دور محوري في تحقيق هذا النمو المشهود.
إن التفاعل المثمر بين هذه المعارف المتنوعة في سبيل الارتقاء بالقطاع الصحي قد أفضى إلى ترسيخ مفهوم جديد وشامل لجودة الخدمات. وقد أثمر ذلك عن استحداث مفاهيم إدارية مبتكرة، سواء في القطاع الخاص أو العام، مما ساهم في توسيع آفاق الأهداف الإستراتيجية للمنشآت الصحية. فلم يعد الهدف مجرد تقديم الخدمة العلاجية، بل تجاوز ذلك إلى التطلع نحو الريادة في تقديم الخدمات الصحية المتميزة، ومواكبة التطور العمراني والحضاري، والمشاركة الفاعلة في الأسواق المالية، والتوسع المدروس، والاستثمار الأمثل في التقنيات العلاجية والدوائية المتقدمة، وتشجيع الابتكار والإبداع في هذا المجال الحيوي. ولا شك أن هذه التوجهات الطموحة قد ساهمت بشكل ملموس في تبوّئ المملكة مكانة رائدة بين الدول المتقدمة في مجال تقديم الخدمات الصحية على مستوى العالم.
وفي هذا السياق، أود أن أركز الضوء على معادلة مهمة، أرى أنه من الضروري الاهتمام بها لتعزيز كفاءة الكيانات القائمة في القطاع الصحي. هذه المعادلة تتمثل في تحقيق التوازن الدقيق بين تقليل عدد الشركات المشغلة وانتشارها بشكل كبير، لأن هذا الانتشار قد يؤدي إلى تشتيت الجهود وتبديد الطاقات. فانتشار مراكز التكلفة في سوق المشغلين الصحيين، يصاحبه غالباً محدودية في نمو الكفاءة التشغيلية والتطويرية، ذلك أن الخطوات التنموية والقفزات النوعية التي تسعى إليها المنشآت تتطلب في معظم الأحيان توفير عدد من المتطلبات الأساسية، مثل: ١- ضخ رؤوس أموال جديدة لتمويل عمليات التوسع المنشودة. ٢- توفير سيولة وملاءة مالية عالية لضمان الاستقرار المالي. ٣- الحصول على بيانات تفصيلية وشاملة عن المستفيدين على نطاق أوسع. ٤- استقطاب الكفاءات الإدارية والتنفيذية المتميزة، وهو ما يستلزم تخصيص ميزانيات مجزية. ٥- الاستعانة بشركات استشارية متخصصة لوضع الخطط الطموحة وتنفيذ المشاريع المستقبلية.... وغيرها من المتطلبات الضرورية. مما قد يؤدي إلى تأخير النمو المرتقب للمنشأة، نظراً للحاجة إلى الوقت والموارد اللازمة لتلبية هذه الاحتياجات. ومن جهة أخرى، نجد أن الحالة المعاكسة، المتمثلة في استحواذ عدد محدود من اللاعبين الكبار على تشغيل السوق، تنطوي على مخاطر جمة أخرى، أبرزها خطر الاحتكار، الذي قد ينعكس سلباً على جودة الخدمات المقدمة، وعلى التنوع المتاح، وعلى مستوى التنافسية والإبداع في القطاع.
أرى أن المرحلة المقبلة تتطلب إيجاد توازن دقيق بين هذين الأمرين المتعارضين، مع استحداث مفاهيم جديدة تدعم ثقافة الاندماجات والاستحواذات في منشآت القطاع الصحي. يمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع الشركات المتوسطة والكبيرة على الاستحواذ على عدد من مراكز الخدمات الصغيرة، مثل المستوصفات أو العيادات العامة. أو من خلال دمج مجموعة من المراكز المتشابهة تحت مظلة كيان صحي جديد أكبر حجماً وأعلى دخلاً ومعرفةً وخبرةً وبيانات. هذا التوجه سيكون له أثر بالغ في تعزيز القدرة على المنافسة على المستويين الإقليمي والعالمي بشكل أكثر فاعلية، وفي تحديد حجم السوق الحقيقي بدلاً من تشتيت نقاط القوة وتوزيعها بشكل غير فعال.
